كتب : احمد الفقى
في السنوات الأخيرة، شهدنا تحولًا جذريًا في طريقة تعلمنا وتعليمنا، بفضل التطورات المذهلة في مجال الذكاء الاصطناعي ، لم تعد هذه التقنيات حكرًا على الأفلام الخيالية أو المختبرات البحثية فقط، بل أصبحت واقعًا ملموسًا في حياتنا اليومية ، وخاصةً في قطاع التعليم.
ومن أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو تجربة "المعلم الافتراضي" التي طبقتها شركة الذكاء الاصطناعي الشهيرة "ثيرد ريفولوشن" في العديد من المدارس الابتدائية بمدينة نيويورك ، حيث انة تم تزويد الفصول الدراسية بنظام ذكي قادر على تحليل أداء كل طالب على حدة ، وتقديم المساعدة والتوجيه الفردي اللازم في الوقت المناسب ، و وفقًا للدراسات التي أجريت على هذا المشروع ، أظهر الطلاب الذين تعلموا باستخدام "المعلم الافتراضي" تحسنًا ملحوظًا في تحصيلهم الدراسي، بمعدل 20% أعلى من أقرانهم الذين تلقوا التعليم التقليدي ، كما أشارت التقارير إلى زيادة في دافعيتهم للتعلم وانخراطهم في العملية التعليمية ، وبدراسة اخري اجريت تجربة تثير الاهتمام هي استخدام تقنية الواقع الافتراضي "VAR" في تدريس الطب بجامعة ستانفورد ، حيث يتمكن طلاب الطب من الانغماس في بيئة افتراضية تحاكي غرفة العمليات الجراحية ، كما كان بإمكانهم ممارسة العمليات الجراحية المعقدة بشكل آمن وفعال، قبل التعامل مع المرضى الحقيقيين.
هذه التجربة الفريدة ساعدت الطلاب على اكتساب المهارات العملية اللازمة بطريقة أكثر سهولة وأمانًا ، كما عززت ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على اتخاذ القرارات الحاسمة في المواقف الحرجة ، وبحسب تقرير الجامعة ، فإن معدلات النجاح في الاختبارات العملية ارتفعت بنسبة 38% بعد تطبيق هذه التقنية منذ عام .
و بالإضافة إلى هذه التجارب الرائدة، هناك العديد من المبادرات الأخرى التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التعليم عن بُعد ، وتخصيص المناهج الدراسية ، وتحليل بيانات التعلم بإستخدام تقنيات "data analysis" بإستخدام الذكاء الإصطناعي ، وغيرها الكثير .
ومع استمرار التطور التقني، من المتوقع أن تتسع آفاق استخدام هذه التقنيات في المستقبل القريب ومع ذلك، لا ينبغي اعتبار الذكاء الاصطناعي بديلًا للمعلمين البشريين ، بل يجب النظر إليه كأداة مساعدة لهم في تحسين العملية التعليمية وتوفير تجربة تعلم أكثر فعالية وإثارة للاهتمام ، فالمعلمون لا يزالون يلعبون دورًا محوريًا في توجيه الطلاب وتطوير مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية ، وهي جوانب لا يمكن للآلات أن تحل محلها بعد، انه لا شك أن الذكاء الاصطناعي يمثل ثورة حقيقية في عالم التعليم ، ولكن يجب استخدامه بحكمة وبالتوازي مع الجهود البشرية ، لضمان تحقيق أفضل النتائج التعليمية الممكنة ، فالمستقبل الواعد لهذه التقنيات يكمن في التكامل بين قدرات الآلة والإنسان البشري ، وليس في منافستهما ، علاوة علي ذلك آمن إيمانًا راسخًا مني بأن الذكاء الاصطناعي سيكون عاملًا محوريًا في تحقيق نقلة نوعية غير مسبوقة في مجال التعليم ، وجعل تجربة التعلم أكثر إثارة وفاعلية ، فبرأيي، لا توجد حدود لما يمكن لهذه التقنيات المتطورة أن تقدمه في هذا الصدد ، فأنا أتصور أن المستقبل سيشهد اعتمادًا متزايدًا على الأنظمة الذكية القادرة على تحليل أنماط تعلم الطلاب بدقة ، وتكييف المحتوى والأساليب التدريسية بشكل فردي لكل طالب وفقًا لاحتياجاته الخاصة ، كما أرى أن الواقع الافتراضي والمعزز سيصبحان جزءًا أساسيًا من العملية التعليمية ، حيث سينغمس الطلاب في بيئات تعليمية غامرة تحاكي الواقع بكل تفاصيله ، مما يسهل اكتساب المعارف والمهارات بطريقة عملية وممتعة ، ولن يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على التدريس فحسب ، بل سيمتد إلى مجالات إدارة المؤسسات التعليمية أيضًا ، كما انا أري حيث ستتمكن الأنظمة الذكية من تحليل البيانات الضخمة وتقديم توصيات دقيقة لصانعي القرار لتحسين جودة التعليم باستمرار ، ومع ذلك، لا أرى أن هذه التقنيات ستحل محل المعلمين البشريين تمامًا ، بل ستكون شريكًا لهم في رحلة التعليم الجديدة ، فالمعلمون سيظلون يلعبون دورًا محوريًا في توجيه الطلاب وتنمية مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية التي لا يمكن للآلات أن تحل محلها لذلك ، أرى أن النجاح الحقيقي للذكاء الاصطناعي في تطوير التعليم يكمن في التكامل بين قدرات الآلة والإنسان ، فعندما يتم الجمع بين التقنيات الذكية والمهارات الفريدة للمعلمين، ستكون النتيجة تجربة تعليمية فريدة من نوعها ، تضمن لكل الطالب حصولهم على أفضل تعليم ، و هذه رؤيتي المستقبلية لهذا المجال الحيوي ، و رؤية تتطلع إلى عصر جديد من التعلم الفعال والشامل والمثير للإعجاب ، وأنا واثق من أن الجهود المتضافرة والعقول المبدعة ستجعل هذا الحلم واقعًا ملموسًا في المستقبل القريب.