✍ كتب / عبدالكريم أحمد سعيد
في ظل الغياب شبه الكامل للدولة، تتسع رقعة الانهيار الاقتصادي والخدمي في العاصمة عدن والمناطق الجنوبية المحررة، وتتفاقم معاناة المواطنين يومًا بعد آخر، فيما تُوجّه الاتهامات، بشكل لافت، إلى الجهة التي صمدت ولا تزال تقاتل وتحمل عبء الدفاع عن القضية الجنوبية.
تمر البلاد اليوم بمرحلة حساسة للغاية، تتجلى في الانهيار المتسارع لقيمة العملة، وتدهور حاد في مستوى الخدمات الأساسية، ما يضاعف الضغط على حياة الناس اليومية. هذا الواقع المأزوم يعيد إلى الواجهة تساؤلات مشروعة حول غياب المعالجات الجادة من قبل الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، ويفتح ملف المسؤولية الحقيقية للدولة المركزية عن تدهور الوضع العام.
ورغم أن المجلس الانتقالي الجنوبي يُعد طرفًا أساسيًا في المشهد السياسي والعسكري، إلا أن تحميله مسؤولية الانهيار الشامل فيه قدر كبير من التجنّي وتجاهل الواقع، إذ أن المجلس لا يملك الأدوات السيادية ولا الموارد المالية والإدارية التي تمكّنه من إدارة الدولة أو انتشال الوضع المعيشي والخدمي من أزمته المتفاقمة، وهي مهام من صميم اختصاصات الحكومة والسلطات المركزية.
إن الأداء الباهت لمجلس القيادة الرئاسي، وفشل الحكومة في تقديم رؤية اقتصادية واضحة، إلى جانب غياب أدوات الرقابة والمساءلة، كلها أسباب رئيسية في تعميق الأزمة. وحتى الآن، لم يلمس المواطنون أي تحسن ملموس في مستوى الخدمات أو في استقرار العملة أو في كبح جماح الفساد.
في المقابل، يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي أداءه الوطني في أكثر من جبهة، سواء على صعيد التصدي للمليشيات الحوثية والإرهابية، أو في مضمار العمل السياسي والدبلوماسي، حيث تمكّن من تعزيز حضوره خارجيًا، وفرض القضية الجنوبية على أجندة الفاعلين الإقليميين والدوليين، كقضية وطنية عادلة لا يمكن تجاوزها.
إن تحميل المجلس الانتقالي كامل المسؤولية عن أزمات متجذرة، سببها غياب الدولة وسوء إدارتها، ليس إلا محاولة لتشويه الحقائق وتضليل الرأي العام. وفي هذا المنعطف التاريخي، تبدو الحاجة ماسّة أكثر من أي وقت مضى إلى وحدة الصف الجنوبي، وتغليب المصلحة الوطنية على الخلافات السياسية والاصطفافات الضيقة.
المعركة اليوم لم تعد مقتصرة على الجبهات العسكرية، بل هي معركة بقاء سياسي واقتصادي تتطلب صمودًا وتماسكًا جنوبياً شاملاً، وإدراكاً عميقاً لحجم التحديات التي تواجه المشروع الوطني الجنوبي.
مع ذلك، لا يُعفى المجلس الانتقالي من مسؤولياته الأخلاقية والتاريخية تجاه شعب الجنوب، وعليه مواصلة الضغط على السلطة لتخفيف المعاناة الإنسانية، وتحقيق تطلعات الشعب المشروعة في استعادة دولته الجنوبية الفيدرالية، بقيادة القائد عيدروس قاسم الزبيدي ورفاقه، بإرادة صلبة ورؤية واضحة، لإيصال سفينة الجنوب إلى بر الأمان، بإذن الله.