بقلم / فؤاد قائد جُباري
السبت: 4 يناير 2025م
قمم لا تُطال، وأبطال لا يُقهرون: هنا جبهة القرين في مديرية المسيمير، لحج
حينما تلامس أقدامك أرض جبهة القرين الشامخة، تدرك أنك على عتبات ملحمة أسطورية تُسطّرها دماء الأبطال في معركة البقاء والشرف. صعودنا إلى قمة جبل القرين، عبر طرق وعرة ومسافات طويلة، كان أشبه برحلة إلى قلوب الرجال الصناديد الذين يحرسون الجنوب بصدورهم، كأنهم جبال شامخة تعانق السماء.
جبهة القرين ليست مجرد موقع عسكري؛ إنها الحصن الحصين الذي يقف حاجزًا أمام أطماع المليشيات الحوثية الأيرانية التي تحاول بكل استماتة السيطرة على قممها الاستراتيجية. هذه القمم الحدودية تطل على مناطق شاسعة في الشمال والجنوب، تمتد رؤيتها من مديرية المسيمير جنوبًا إلى معسكر محور العند، وحتى العاصمة عدن، وشمالًا تعد مناطق حاكمة على مديرية ماوية بمحافظة تعز، والسيطرة عليها تعني تمكين العدو من استهداف الجنوب بكل ما أوتي من قوة، ولهذا لا يتوقفون عن محاولاتهم البائسة، ولكن أبطال القوات المسلحة الجنوبية بقيادة القائد الفذ محمد علي الحوشبي وأبناء المنطقة، يحولون تلك المحاولات إلى هباء وكلما شن العدو هجومًا لا يجني إلا أشلاء عناصره التي تتطاير لتصبح طعام للهوام.
رغم نقص الدعم اللوجستي، وصعوبة الطرق التي تقطع الإمدادات، يقف الأبطال كالجبال، بصدور مليئة بالإيمان وعزائم لا تنكسر. هؤلاء الرجال الذين شاهدناهم بأعيننا ولامسنا صمودهم بقلوبنا، ليسوا مجرد جنود؛ إنهم نسور الجنوب التي تحلق في القمم لتفترس كل من تسول له نفسه المساس بأرض الجنوب الطاهرة.
في وسط هذه الملحمة، يبرز القائد محمد علي الحوشبي كنموذج للبسالة والعطاء. رجل يقاتل بنفسه بماله ووقته، ويضع الجنوب ودينه فوق كل اعتبار، مُكرِّسًا جهده لدحر المليشيات الحوثية التي لا تعرف سوى الخيانة والغدر، وإلى جانبه يقف قادة عظماء من رجاله الأشاوس، لا يبارحهم ولا يبارحونه كما لا يبارحون جميعهم صخور جبهة القرين ليل نهار.
رحلة الوصول إلى الجبهة كانت محفوفة بالمخاطر، لكنها كانت مفعمة بالروح التي تجعل كل تعب ومشقة دربًا نحو المجد. معانقة قمم القرين كانت كمعانقة شموخ الجنوب وأصالته. هناك، الأبطال ليسوا بشرًا عاديين؛ هم أسطورة متحركة، جسدت معنى الفداء والتضحية.
هؤلاء الرجال ليسوا بحاجة إلى ثناء أو مقابل؛ ما يقدمونه أغلى من كل ثمن؛ فدماؤهم وأرواحهم تهتف باسم الجنوب، وتحمي تربته الطاهرة من أطماع الغزاة.
إنها جبهة القرين، حيث الرجال جبال، والجبال رجال، وحيث يصاغ المجد بدماء الشهداء وعرق الصامدين وفوهات بنادقهم التي تصدح الإباء بلغة فصحى؛ فكل التحية لهؤلاء الأبطال، وكل الفخر للجنوب الذي أنجبهم.
كل التحية لمن رافقونا في هذه الرحلة، من بينهم القائد البطل ماجد الحوشبي، قائد الكتيبة الرابعة في اللواء الأول مشاة، والقائد شريف الحوشبي، أحد أبرز الداعمين للمقاومة الجنوبية في مديرية المسيمير، والقائدان في كتائب الشهيد العشوي عرفات أحمد عبيد وعادل نبيل الغراب، الذين يسطرون يومًا بعد يوم صفحات جديدة من الفخر والتضحية في جبهة المشاريح - الغنية عن التعريف - بمحافظة الضالع، إلى جانب شاعر جبهة الضالع، أبو أمير نايف الحساني، وإخوانه الذين كانوا يلهبون المعنويات بكلماتهم الصادقة التي تخترق القلوب كما تخترق رصاصات الأبطال أجساد الأعداء.