يتتبع الباحث معن دماج في هذا التحليل مسار الحرب التي ابتدأت بالتدخل العسكري لقوى التحالف بقيادة السعودية فيما سُمي حينها بـ"عاصفة الحزم"، قبيل تسعة أعوام، وصولًا إلى المرحلة الراهنة، حيت باتت تتشكل خارطة تحالفات أخرى بمتغيرات جديدة، داخليًا وإقليميًا مع تباين الأجندة وتداخل عديد العوامل والمستجدات، بين الأطراف التي تشكل الائتلاف الحكومي المعترف به دوليًا من جهة والموقف الذي يبدو عليه التحالف الداعم لهذا الائتلاف من جهة أخرى، مع اختلاف الواقع الميداني لصالح خصوم الحوثيين الذين مع ذلك تضعفهم عديد التناقضات والصراعات البينية.
في السادس والعشرين من مارس/آذار الماضي تكون قد مرت تسع سنوات على إعلان تحالف واسع (تقلص مع الوقت إلى دولتين فقط عمليًا هما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة)، تدخل عسكري كان هدفه المعلن استعادة الشرعية، وذلك حتى قبل أن يطلب الرئيس هادي، المنقلب عليه، التدخل بشكل رسمي.لا شك أن أحدًا لم يكن يتوقع تدخلًا سعودًيا بتلك الطريقة التي تبدو منافية لتاريخ التدخلات السعودية السابقة، التي اعتمدت دعمًا عسكريًا وماليًا أكثر من المشاركة المباشرة عبر قواتها العسكرية، ولا شك أن عوامل مختلفة قد أسهمت في ذلك التدخل بهذه الطريقة، أولها وصول قيادة سعودية جديدة وانتقالًا صعبًا للحكم إلى الجيل التالي من آل سعود ربما توفر له الحرب شرعية وتسمح بأخذ التدابير اللازمة لنقل السلطة، مع توقع الحد الأدنى من معارضة أطراف العائلة المالكة طالما البلد في حرب، والثاني تغطية أمريكية من إدارة الرئيس أوباما الذي أراد تخفيف صدمة حلفائه في الخليج العربي من اتفاقه النووي مع إيران.جاءت عاصفة الحزم بعد أيام من قصف قوات تحالف الحوثي- صالح لقصر معاشيق بالطيران، بعد فشل تمرد الأمن المركزي بقيادة عبدالناصر السقاف بعدن في السيطرة على المدينة والقصر الرئاسي وتمكن قوات، أغلبها شعبية، بقيادة العميد جواس من هزيمة الأمن المركزي وطرده والاستيلاء على مقراته الرئيسية، ما عبر ربما عن فشل خطة الحوثي- صالح الأساسية واندفاع قواتهما نحو عدن والجنوب مع وجود مقاومة محدودة ساعد على إضعافها الانضمامات المتواصلة لمعسكرات وألوية الجيش على طول الطريق لقوات الحوثي، فأغلبها كانت تدين بالولاء للرئيس السابق علي صالح، بينما انهارت معنويات أغلب الجنود والضباط المعادين للحوثي، مع افتقادهم للقيادة والخطاب السياسي المقاوم.مع ذلك كانت مقاومة شعبية وانتفاضة عارمة قد منعت قوات الحوثي والأمن المركزي من الاستيلاء على أغلب مدينة تعز، وتمكنت انتفاضة شعبية من طردهم من مدينة التربة في الحجرية أربعة أيام فقط قبل عاصفة الحزم.وفي تعز بالذات كانت بعض كتائب اللواء 35 بقيادة عدنان الحمادي تخوض قتالًا يائسًا ضد قوات الحوثي وصالح وتعطل تقدمها لأسابيع حتى قبل أن يتم تعيين الحمادي قائدًا للواء ليكون أول لواء من الجيش يصمد ويعلن انحيازه لما سيعرف لاحقًا بالشرعية.طبعًا مرت الكثير من التغييرات والانقلابات الدراماتيكية في مجرى الصراع الذي فجره الحوثي، وقد تقلب الناس والقوى السياسية والاجتماعية مرات عديدة في مواقفهم من أطراف الحرب أحيانًا من النقيض إلى النقيض، أبرزهم الرئيس صالح وعائلته ومؤيدوه، وحتى قوى أساسية في الشرعية. وبجردة حساب بسيطة عن أحداث ونتائج عاصفة الحزم، ورغم خيبة الأمل التي يمكن ملاحظتها عند عموم جمهور الشرعية اليمنية، يمكن سوق ملاحظة أنها انطلقت في اللحظة التي بدا أنه لا توجد قوة حقيقية قادرة على الوقوف في وجه قوات الحوثي- صالح التي كانت قد وصلت إلى مدينة عدن، وسط ذعر وانهيار معنويات أغلب القوى السياسية والاجتماعية، فلم تصدر أي دعوة جدية للتعبئة والقتال ومواجهة الحوثي -باستثناء ربما مطارح القبائل في مأرب التي بدأت بشكل مبكر- حتى من قبل الرئيس هادي، ولم يكن هناك في الواقع أي جيش خاضع لإمرته (أسباب ذلك بما فيها مسؤوليته تحتاج كتابة مفصلة ليس هذا مكانها). وكانت محاولات وزير الدفاع الصبيحي في تنظيم الدفاع واستعادة معنويات الجيش وتنظيمه متأخرة كثيرًا، رغم شجاعته ومناقبه التي تركت صدى بين الناس وفي المجتمع، لكن طريقة بناء الجيش وتركيبته وطبيعة ولاءاته وعامل الزمن وحتى حقيقة ابتعاده الطويل عن الجيش منذ حرب 94 بل وحتى خلافه مع أسلوب وخيارات الرئيس هادي -التي تجلت بتفضيله الاعتكاف في قريته بعد تمكنه من الهرب من قبضة الحوثيين في صنعاء- صبغت محاولاته الشجاعة بطابع تراجيدي.تمكنت "عاصفة الحزم" منذ البداية من تدمير وتحييد سلاح الطيران والذي كان بقبضة قوات صالح والحوثي، ولم يكن يصعب توقع كيف سيتم استخدامه ضد أي مقاومة ضد قواتهم، ولا يبدو النموذج السوري بعيدًا، وتمكنت بعد أقل من أربعة أشهر من طرد قوات الحوثيين من عدن، ولاحقًا من أغلب المحافظات الجنوبية، ومن دفع قوات الحوثي- صالح من أسوار مجمع محافظة مأرب حتى القرب من مطار صنعاء الدولي.لاحقًا خسرت القوات الحكومية أرضًا كانت قد استعادتها، خصوصًا في الجوف ومأرب والبيضاء، كما شهدت انقسامات في صفوفها -تعكس في جانب منها تضارب مصالح دولتي التحالف السعودية والإمارات- وصلت إلى طرد القوات المحسوبة على الرئيس هادي من عدن من قبل قوات المجلس الانتقالي المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومعارك واسعة وضارية في شبوة وأبين بين هذه القوات. كما يمكن القول أيضًا بأن تدخل التحالف قلل احتمالات بروز الطابع الجهادي والإرهابي الذي شهدته بقية البلدان العربية التي شهدت حروبًا أهلية، خصوصًا سوريا والعراق، ذلك الطابع الذي يعززه طبعًا الطابع الطائفي والسلالي والمناطقي للحوثي، حيث ظلت على الهامش كما في رداع والبيضاء، والاستيلاء -الغامض- للقاعدة على المكلا وساحل حضرموت.وطبعًا أي تقييم لوتيرة الحرب ومآلاتها لا بد أن يأخذ الأهداف والمخاوف والمحاذير والمخاوف لأطرافها المحلية والخارجية وموقف القوى الدولية.إن الحديث عن أهداف غير معلنة بل وتتناقض مع الهدف الرئيسي المعلن للتدخل وهو استعادة الشرعية، لا تبدو بلا أساس، ولا الحديث أيضًا عن التوقف الغامض عند الحدود الشطرية السابقة، لكن لكل ذلك أسبابًا مختلفة ومتناقضة وأخرى صنعها الزمن.الحقيقة أن الوتيرة البطيئة التي أخذتها الحرب كانت مقصودة، ربما لأنها تسمح بتحقيق أهداف مختلفة للقوى الرئيسية في التحالف وأيضًا القوى المحلية، أرادت السعودية من هذه الوتيرة وتطويل الحرب إنتاج مراكز قوى عسكرية وسياسية واجتماعية بديلة عن التي كانت قد بنتها طوال العقود السابقة وانتقلت إلى جهة معادية، سواء الرئيس صالح أو بيت الأحمر، فيما كان الاهتمام الرئيسي للإمارات هو بسط نفوذها على السواحل والموانئ وأيضًا ضرب أي نفوذ لقوى الإخوان المسلمين والقوى المحسوبة عليهم.بالنسبة للرئيس هادي، فبالإضافة إلى اعتقاده أنه لا يمكن الاستغناء عنه طالما استمرت الحرب وأن نهايتها تقرب خروجه من السلطة، فقد أراد بناء مراكز قوى مناطقية مكونة أساسًا من أبناء أبين وشبوة بالتحالف مع تجمع الإصلاح والجنرال محسن، الذي ربما أحد أسباب اختيار هادي له كنائب للرئيس قناعته أنه لا يصلح بديلًا له لأسباب واضحة ومعروفة، والإصلاح، الذي يمتلك الوزن الأهم داخل قوات الشرعية كان محكومًا بالخوف من إرادة تصفيته واجتثاثه المتوفرة عند صف عريض من خصومه، ابتداء بالحوثي وليس انتهاء بالإمارات، لذا فالحديث عن تخزين السلاح منذ الأسابيع الأولى لمعارك قادمة وعدم خوض المعارك بشكل كامل وإضعاف المنافسين المحليين -كاللواء الحمادي- ليست بدون أساس أيضًا، فتقديره أيضًا أن طوال مدة القتال وتعقده سيسمح له بإقناع التحالف أنه لا يمكن الاستغناء عنه.المجلس الانتقالي الجنوبي والقوى الجنوبية التي تعمل من أجل فك الارتباط عمومًا كانت ترى في الوقت عاملًا مهمًا من أجل تمكينها داخل مؤسسات الدولة وصولًا حتى الاستقلال- ما صرخ به علانية حتى قيادات محسوبة على هادي مثل الوزير الميسري، إضافة إلى اعتقاده المسيطر بأن غرق الشمال تحت سيطرة "مليشيا" الحوثي يقدم أكبر فرصة لاستعادة دولة الجنوب.وبالنسبة للقوى الدولية، خصوصًا الولايات المتحدة وبريطانيا، فإنها على الأرجح مثلما لن ترد انتصار الحوثي وهيمنته على عموم اليمن، فإنها لم ترد هزيمته الكاملة وفقدانه للقدرة على البقاء كشوكة في خاصرة السعودية الضعيفة -كما هو واضح في منع قوات العمالقة والمقاومة الوطنية المدعومة من الإمارات من الاستيلاء على مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة والتي كانت في متناول اليد- وإن كانت الحرب في البحر الأحمر تشي بإمكانية تبدل هذه السياسات.ما كان لدينا منذ البداية هو تحالف الحوثي- صالح الذي كان يمتلك كل مقدرات الدولة العسكرية والأمنية والاستخباراتية والبيروقراطية وقوى محدودة تصدت لمقاومته. ورغم خديعة التسميات فإن تسليح قوات الحوثي حتى قبل الدعم الإيراني هو تسليح جيش، بينما ما يزال تسليح الجيش الوطني حتى اليوم أقرب للمليشيا!..اليوم، وبعد سنوات تسع ورغم كل شيء وحتى مع اندفاع السعودية نحو مشروع سلام ملغوم ورغبتها بالتهدئة بأي ثمن لحسابات تخصها، فالواقع الميداني مختلف والقوى التي تنتمي للصف المقابل للحوثي هي أكبر وأفضل بعشرات المرات منها عشية الحرب، وما يضعفها فعليًا هو أن التناقضات والصراعات فيما بينها تبدو لها الأولوية عن الصراع ضد الحوثي.أما وجود خيار مستقل بين الانتماء لمعسكر الشرعية والتحالف أو الانتماء لمعسكر الحوثي ومن خلفه إيران، فقد جرى طمسه وضربه منذ اليوم الأول لأسباب ربما يكون أغلبها ذاتيًا، مع انهيار الحركة الوطنية التاريخية وتوزع جمهور ثورة فبراير على المحاور الإقليمية والمحلية وفشله في إنتاج أي بنى أو تنظيمات سياسية.